المشاركات الشائعة

الأربعاء، مايو ٠٦، ٢٠٠٩

فماذا يفعل البهائي من اجل بناء المدنية الالهية



وعيًا من اتباع الدين البهائي بالطبيعة الهدامة لنظم المجتمع الإنساني المعاصر، وإفلاس مؤسساته السياسية والدينية والاجتماعية، وعجزها عن توحيد الجنس البشري، ينصرف البهائيون على نطاق عالمي لتشييد هيكل نظم عالمي جديد يقوم على أسس تعاليم حضرة بهاءالله. إنّ البهائيّين يتمنّون الخير للجميع كما تمليه عليهم تعاليم دينهم. وفي أيّ بلد يقطنون، يسعون بكلّ إخلاص ليكونوا مواطنين صالحين يعملون لخير وصلاح مجتمعاتهم. إنّ تعاليم دينهم تأمرهم بالعمل مع الآخرين جنبًا إلى جنب في رعاية وتعزيز الألفة والاتّحاد وتأسيس الصلح والسلام والعدالة الاجتماعيّة. إنّهم يتحاشون النزاع والخصام، ويتجنّبون الصراع والنضال للوصول إلى السلطة الدنيويّة، ولا يُقدمون على الإطاحة بأيّة حكومة، ولا يشاركون في دسائس ومؤامرات الآخرين للقيام بذلك.
ومع أن المجتمع النموذجي الذي تتجسد فيه هذه الحقائق صغير، وأثمارها المباشرة المحسوسة لم تبلغ مقام الاعتبار بعد، إلاّ أن القوى التي تجلّت بها والتي من شأنها أن تجدد الفرد وتعيد بناء العالم المتهدم هي في ذاتها فوق الحصر... وتاريخ مائة وستين عامًا لهو أكبر شاهد على صدق هذا الادّعاء.
ومع ما يغمرهم من عاطفة الولاء لحكوماتهم وأنهم يسرّون بكل عمل يحقق طمأنينتها ،إنّهم يتحاشون النزاع والخصام، ويتجنّبون الصراع والنضال للوصول إلى السلطة الدنيويّة، ولا يُقدمون على الإطاحة بأيّة حكومة، ولا يشاركون في دسائس ومؤامرات الآخرين للقيام بذلك, ويشتاقون للمساهمة فيما يروج مصالحها، فإنهم يعتقدون بأن دين بهاءالله الذي يقومون شهودًا له هو دين قد رفعه الله فوق العواصف والانقسامات والجدل المثار في ميدان السياسة فهو بعيد عن السياسة، وخاصيته فوق حدود القومية، ومبرأ عن الحزبية، ومنفصل تمامًا عن مطامع القومية وأساليبها ومقاصدها. فهو دين لا يعرف الانقسام ولا الحزبية، وإنه بغير تردد أو تضليل، يضع المصلحة الخاصة سواء أكانت شخصية أو إقليمية أو قومية، معلّقة بالمصالح الرئيسة للإنسانية، ويؤكد بأن في عالم ترتبط جميع شعوبه وأممه وتتماسك أجزاؤه أحرى بأن تتحقق منفعة الجزء عن طريق مصلحة الكل، وإنه لا يمكن تحقيق منفعة الفرع بإغفال مصالح الأصل...

الامل في وجود المدينة الافلاطونية بالمبادئ البهائية

فأنّى لأتباع حضرة بهاءالله العمل داخل إطار كهذا؟ وكيف يمكنهم المساهمة في السياسة مع الحفاظ والولاء لما أتى به حضرته من مبادئ عليا، مبادئ عالمية الجنس البشري ووحدته، الصدق والأمانة، الاستقامة والنزاهة والمحبة والألفة؟ كل هذه تتعارض مع ما تسير عليه النظم السياسية اليوم.

فهل من بارقة امل في عالم قد تصدع هيكل نُظُمه السياسية والاجتماعية، واستوحشت إحساساته، وتطرّق الجمود إلى نُظُمه الدينية بحيث فقدت خصائصها وكمالاتها .

الامل في أداة الشفاء التي هي تعاليم ونظم حضرة بهاء الله والذي يحوي القدرة النافخة بروح النهضة والحياة، وحيث نرى قوة التماسك الشديدة تأخذ طريقها إلى التشكل في قالب أنظمة تحشد الآن قواها للتمهيد لنصر روحاني وخلاص للبشر خلاصًا تامًا كاملاً.

هنا علينا ان نستعرض نقطة هامة أن دينًا تأسست نظمه الإلهية في قلب ما لا يقل عن 330 قطرًا وجزيرة ومحمية مختلفة تتصادم سياسة حكوماتها وتتعارض مصالحها باستمرار، ويزداد ارتباكها يومًا بعد آخر، وإنه إذا جاز لأتباعه سواء أكانوا أفرادًا أو هيئات أن يتدخلوا في المسائل السياسية، كيف يمكنه الاحتفاظ بسلامة تعاليمه وحماية وحدة أتباعه، وكيف يمكن له ضمان تقدّم نظمه المترامية بمثل هذا التقدم السلمي الثابت القوي؟ كيف يمكن لدين امتدت فروعه بحيث وضعته موضع الاحتكاك بالنظم الدينية المتعارضة باستمرار، واحتكاك بالفرق والعقائد، فإذا كان يسمح لأتباعه بالاندماج في الطقوس والمبادئ العتيقة، كيف يستطيع الاحتفاظ بحيويته في دعوته الصريحة للولاء والصفاء، والتي يوجهها للذين قد يضمهم إلى حظيرته ونظامه المقدس؟ ثم كيف يمكنه تفادي الاحتكاك المتواصل وسوء الفهم والتعارض الذي يحدثه بالتأكيد مبدأ الانتماء إلى بيئة خاصة وهو المبدأ الذي يتعارض مع عمومية الهيئة الاجتماعية؟