ومع أن المجتمع النموذجي الذي تتجسد فيه هذه الحقائق صغير، وأثمارها المباشرة المحسوسة لم تبلغ مقام الاعتبار بعد، إلاّ أن القوى التي تجلّت بها والتي من شأنها أن تجدد الفرد وتعيد بناء العالم المتهدم هي في ذاتها فوق الحصر... وتاريخ مائة وستين عامًا لهو أكبر شاهد على صدق هذا الادّعاء.
ومع ما يغمرهم من عاطفة الولاء لحكوماتهم وأنهم يسرّون بكل عمل يحقق طمأنينتها ،إنّهم يتحاشون النزاع والخصام، ويتجنّبون الصراع والنضال للوصول إلى السلطة الدنيويّة، ولا يُقدمون على الإطاحة بأيّة حكومة، ولا يشاركون في دسائس ومؤامرات الآخرين للقيام بذلك, ويشتاقون للمساهمة فيما يروج مصالحها، فإنهم يعتقدون بأن دين بهاءالله الذي يقومون شهودًا له هو دين قد رفعه الله فوق العواصف والانقسامات والجدل المثار في ميدان السياسة فهو بعيد عن السياسة، وخاصيته فوق حدود القومية، ومبرأ عن الحزبية، ومنفصل تمامًا عن مطامع القومية وأساليبها ومقاصدها. فهو دين لا يعرف الانقسام ولا الحزبية، وإنه بغير تردد أو تضليل، يضع المصلحة الخاصة سواء أكانت شخصية أو إقليمية أو قومية، معلّقة بالمصالح الرئيسة للإنسانية، ويؤكد بأن في عالم ترتبط جميع شعوبه وأممه وتتماسك أجزاؤه أحرى بأن تتحقق منفعة الجزء عن طريق مصلحة الكل، وإنه لا يمكن تحقيق منفعة الفرع بإغفال مصالح الأصل...